أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان: “من أخلاق الحج”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 23 من ذي القعدة الموافق 26 أغسطس 2016هـ

خطبة بعنوان: “من أخلاق الحج”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 23 من ذي القعدة الموافق 26 أغسطس 2016هـ.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي: 

الحمد لله رب العالمين .. يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ..ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين ..وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه القائل :” الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة ” الهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.  أما بعد فيا جماعة الإسلام.

  قال  تعالى:”الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب”(البقرة /197).  

قوله تعالى : ” الحج أشهر معلومات ” أي وقت الحج أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة و ذي الحجة..يذهب الحاج للحج ليؤدي فرض الله عز وجل وليشهدوا منافع لهم وليكثر من ذكر الله عز وجل .

و ليكتسب المسلم الأخلاق الجميلة إذا رأى من لا يدركون معنى الحج، ممن يغضبون لأدنى سبب، وتطيش أحلامهم عند أتفه الأمور. فإذا رأى العاقل البصير سوء فعال هؤلاء انبعث إلى ترك الغضب، وتجافى عن مرذول الأخلاق.

و قوله تعالى : ” فلا رفث ولا فسوق ” قال ابن عباس : الرفث غشيان النساء والتقبيل ، والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام قال حصين بن قيس أخذ ابن عباس رضي الله عنه بذنب بعيره فجعل يلويه وهو يحدو ويقول:”وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا “.. فقيل له أترفث وأنت محرم ؟ فقال إنما الرفث ما قيل عند النساء قال طاووس : الرفث التعريض للنساء بالجماع وذكره بين أيديهن وقال عطاء : الرفث قول الرجل للمرأة في حال الإحرام إذا حللت أصبتك وقيل الرفث الفحش والقول القبيح أما الفسوق قال ابن عباس : هو المعاصي كلها وهو قول طاووس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والزهري والربيع والقرظي وقال ابن عمر : هو ما نهي عنه المحرم في حال   الإحرام من قتل الصيد وتقليم الأظافر وأخذ الأشعار وما أشبههما وقال إبراهيم وعطاء ومجاهد هو السباب بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ” وقال الضحاك هو التنابز بالألقاب بدليل قوله تعالى : ” ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ” (الحجرات/11)  .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ”  (البخاري).

وقوله تعالى “ولا جدال في الحج ” قال ابن مسعود وابن عباس : الجدال أن يماري صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه وهو قول عمرو بن دينار وسعيد بن جبير وعكرمة والزهري وعطاء وقتادة وقال القاسم بن محمد : هو أن يقول بعضهم الحج اليوم ويقول بعضهم الحج غدا وقال القرظي : كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء حجنا أتم من حجكم وقال هؤلاء حجنا أتم من حجكم وقال مقاتل : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في حجة الوداع وقد أحرموا بالحج ” اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي قالوا كيف نجعله عمرة وقد سمينا الحج فهذا جدالهم وقال ابن زيد : كانوا يقفون مواقف مختلفة كلهم يزعم أن موقفه موقف إبراهيم يتجادلون فيه وقيل هو ما كان عليه أهل الجاهلية كان بعضهم يقف بعرفة وبعضهم بالمزدلفة وكان بعضهم يحج في ذي القعدة وكان بعضهم يحج في ذي الحجة فكل يقول ما فعلته فهو الصواب فقال جل ذكره ( ولا جدال في الحج ) أي استقر أمر الحج على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختلاف فيه من بعد وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ” قال مجاهد : معناه ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة فأبطل النسيء قال أهل المعاني ظاهر الآية نفي ومعناها نهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا كقوله  تعالى ” لا ريب فيه ” أي لا ترتابوا ” وما تفعلوا من خير يعلمه الله ” أي لا يخفى عليه فيجازيكم به.

وقوله تعالى:”وتزودوا فإن خير الزاد التقوى” نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون نحن متوكلون ويقولون نحن نحج بيت الله فلا يطعمنا فإذا قدموا مكة سألوا الناس وربما يفضي بهم الحال إلى النهب ، والغصب فقال الله عز وجل :” وتزودوا “أي ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم قال أهل التفسير الكعك والزبيب والسويق ،والتمر ونحوها”فإن خير الزاد التقوى”من السؤال والنهب” واتقون يا أولي الألباب “يا ذوي العقول.

أخوة الإيمان والإسلام :

غاية الحج و ثمرته:

و عندما يقرأ الإنسان المسلم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة المتعلقة بالحج ، وعندما يطلع على حجة النبي صلي الله عليه وسلم  يدرك أن للحج غايات ، وثمرات فعندما تحدث القرآن عن فريضة الحج :” الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون ياأولي الألباب ” وهنا نوه المولي عزوجل علي أن التقوي هي الثمرة المرجوة أيضاً من الحج وأمر الحاج أن يتزود بها رغم أن الحاج رجع من ذنويه كيوم ولدته أمه ومع ذلك فينبغي عليه أن يتزود بخير زاد ألا وهو التقوي.

فاتقوا الله عباد الله  ، فإن تقوى الله خير لباس وزاد ، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد ، قال تعالى : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ”  فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق ، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق ، وقال تعالى :”وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا . وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ” فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور ، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور ، وقال تعالى : ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ” فبشر المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان ؛ وهو العلم النافع ، المفرق بين الحلال والحرام ، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام ، وبالفضل العظيم من الملك العلام . فإن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها ، وهذه ثمراتها وفوائدها ، فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب ، ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب ، وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات ، وترك جميع المناهي والمحرمات ، وهو القيام بحقوق الله ، وحقوق المخلوقين . والتقرب بذلك إلى رب العالمين .

علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان ، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان ، محافظا على الصلوات في أوقاتها ، مؤديا الزكاة لمستحقيها وجهاتها ، قائما بالحج والصيام ، بارا بوالديه واصلا للأرحام ، محسنا إلى الجيران والمساكين ، صادقا في معاملته مع جميع المعامَلين ، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد ، مملوءا من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد ، لا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا بالله ، ولا يرجو ولا يخشى أحدا سواه . وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه ، في قوله تعالى :” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ” إلى قوله :” وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” .من الله علي وعليكم بتحقيق التقوى ، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .

أيها الناس :

اتقوا الله تعالى فتقوى الله وقاية من الشر والعذاب ، وسبب موصل للخير والثواب .

عباد الله : قد بين الله لكم مراتب الخير وثوابه ، وحضكم على ذلك وسهل لكم طرقه وأسبابه ، فقال تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ “وإلى قوله:”فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” . فوصف المتقين بالقيام بحقوقه وحقوق عباده وبالتوبة والاستغفار ، ونفى عنهم الإقامة على الذنوب والإصرار ، وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه- ” يا رسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة وينجيني من النار . قال صلى الله عليه وسلم : ” لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان وتحج البيت ” ، أي فمن قام بهذه الشرائع الخمس حق القيام استحق النجاة من النار ودخول دار السلام ، ثم لما رآه شديد الرغبة في الخير وضح له وللأمة الأسباب التي توصل إلى خيري الدنيا والآخرة ، والأبواب التي تفضي إلى النعم الباطنة والظاهرة- فقال:”ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة”أي : وقاية في الدنيا من الذنوب ، ووقاية في الآخرة من جميع الكروب ، “والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل ” ثم تلا قوله تعالى: ” تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ “– حتى بلغ-“يَعْمَلُونَ ” ثم قال: “ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر : الإسلام وعموده : الصلاة وذروة سنامه : الجهاد في سبيل الله ” ثم قال : “ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ ” قلت بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه وقال: ” كف عليك هذا ” قلت يا رسول الله : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال: “ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! ” فمن ملك لسانه فأشغله بما يقربه إلى الله من علم وقراءة وذكر ودعاء واستغفار ، وحبسه عن الكلام المحرم من غيبة ونميمة وكذب وشتم وكل ما يسخط الجبار- فقد ملك أمره كله واستقام على الصراط المستقيم . ومن أطلق لسانه فيما يضره استحق العذاب الأليم . فانظروا رحمكم الله ما أسهل هذه الشرائع وأيسرها ، وما أعظم ثوابها عند الله وأكملها . فجاهدوا نفوسكم على تحقيقها وإكمالها ، وسلوا ربكم الإعانة على أقوالها وأفعالها.

أخوة الإيمان والإسلام :

والتقوى هي وسيلة صلاح الحال ومغفرة الذنوب والفوز في الآخرة يقول الله تعالى :”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “(الأحزاب/71).

لقد أمرنا الله في هذه الآية بتقواه وبالقول السديد ، ووعدنا على ذلك المغفرة وإصلاح الأحوال والتوفيق والتسديد . فمن اتقاه بفعل الأوامر واجتناب النواهي فقد فاز فوزاً عظيماً ، ومن ضيع تقواه واتبع هواه بغير هدى من الله أعد له عذابا أليما ، ومن استقام على التقوى ولزم في منطقه القول السديد هدي إلى الطيب من القول وإلى صراط الحميد . لقد رتب الله على هذين الأمرين خير الدنيا والآخرة ، وأنعم على من قام بهما بالنعم الباطنة والظاهرة . من اتقى الله وأعمل ” لسانه بذكر الله ، واستعمل الخلق الجميل مع عباد الله جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب . ومن اتقى الله ولزم القول السديد يسره الله لليسرى ، وجنبه السوء والعسرى ، وغفر له في الآخرة والأولى .” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا “. من اتقى الله زاده الله علما وفرقانا ، وملأ قلبه طمأنينة إليه وثقة به وأمنا وإيمانا ، وأسبغ عليه آلاءه فضلا منه وإحسانا . كيف يكون متقيا لله من أهمل فرائض الله وضيعها ، وتجرأ على محارمه وانتهكها؟ كيف يكون متقيا من تجرأ على الربا والغش والبخس وأكل الحرام ، وأطلق لسانه في الغيبة والنميمة والكذب والآثام؟ كيف يكون متقيا من لا يخفى له طمع إلا خانه ، ومن لا يراعي العهود ويؤدى الأمانة؟ لقد عرضت الأمانة التي هي القيام بحقوق الله وحقوق خلقه على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن من هذه الحال ، وطلبن العافية وتضرعن إلى ذي العظمة والجلال ، وحملها الإنسان على ظلمه وجهله ، وتلقى ما فيها من الأوامر والأثقال . فمنهم من سعد بحملها وبلغ بالقيام بها الآمال ، ومنهم من ضيعها فباء بالخسران والنكال .

أخوة الإيمان والإسلام :

والتقوى هي وسيلة العلم قال تعالي :” واتقوا الله ويعلمكم الله” لذلك من أراد أن يكون عالماً علماً فليتقي الله عزوجل ويبتعد عن المعاصي والذنوب ..

كما قال الشافعي :

شكوت إلي وكيع سوء حفظي -فأرشدني إلي ترك المعاصي –

وأرشدني بأن العلم نــــــــــور – ونور الله لايهدي لعاصي.

 والتقوى غاية الأمر، وجماع الخير، ووصية الله للأولين والآخرين، والحج فرصة عظمى للتزود من التقوى، قال عز وجل: ” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ “(الحج/ 37).

فأولو الألباب الذين خصهم الله بالنداء لتقواه ، يأخذون من الحج عبرة للتزود من التقوى، فينظرون إلى أصل التشريع الإلهي، ومكانته المهمة في الدين، ويعلمون أن صدق المحبة والعبودية لله لا يكون إلا بتقديم مراد الله على كل مراد.

فهذا إبراهيم الخليل – عليه السلام- ابتلاه الله عز وجل بذبح ابنه الوحيد إسماعيل، الذي ليس له سواه، والذي رزقه الله إياه عند كبر سنه؛ والذي هو أحب محبوب من محبوبات الدنيا.

وهذا الأمر من أعظم البلاء، وبه يتحقق الإيمان وتظهر حقيقة الامتحان؛ فالخليل أعطى المسلمين درساً عظيماً للصدق مع الله، وذلك بتقديم مراد الله على مراد النفس مهما غلا وعظم؛ فإنه عليه السلام – بادر إلى التنفيذ- مع شدة عاطفته، وعظيم رحمته ورقته وشفقته- فأفلح، ونجح، وتجاوز هذا البلاء، فرحمه الله، وشل حركة السكين عن حلق ابنه، بعد أن أهوى بها الخليل؛ ففداه الله بذبح عظيم، وجعلها سنة مؤكدة باقية في المسلمين إلى يوم القيامة؛ ليعاملوا الله – عز وجل- معاملة المحب لحبيبه ومعبوده، فيضحوا بمرادات نفوسهم ومحبوباتها في سبيل مراد الله ومحبوبه.

فإذا عرف الحجاج هذا المعنى، وأدركوا هذا السر العظيم الذي لأجله شرعت الهدي والأضاحي عادوا يحملون تلك المعاني العظيمة؟، التي تجعلهم لا يتوانون عن تنفيذ شيء من أوامر الله، فلا تمنعهم لذة النوم وشهوة الفراش عن المبادرة إلى القيام إلى صلاة الفجر.

ولا يمنعهم حب المال، والحرص على جمعه من ترك الغش، والغبن، والربا، والتطفيف، وإنفاق السلع بالأيمان الكاذبة.

ولا يمنعهم حب الشهوات والميل إلى النساء، والطمع في نيل اللّذة المحرمة من غض البصر، ولزوم العفة، وحفظ الفروج؛ إيثاراً لما يحبه الله على ما تحبه نفوسهم، وتنزع إليه طبائعهم، ورغبة في نيل رضا الله وعوضه في الدنيا والآخرة.

أخوة الإيمان والإسلام :

والتقوى كما أنها الخلق الرفيع فهي وسيلة النجاة في الدنيا وفي الآخرة يقول الله تعالى :”وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “(الزمر/61).  فمن اتقى الله تعالى وامتثل أمر الله واجتنب نهيه نجاه بمفازته ، إذا وقع في هلكة أنجاه الله منها ويسر له الخلاص من ذلك ، فالمتقون هم أهل النجاة ، وشاهد ذلك ما وقع وما يقع للمتقين . ألم يبلغكم ما وقع لسيد المتقين حيث خرج صلى الله عليه وسلم من مكة ومعه صاحبه أبو بكر يخشيان على أنفسهما من قريش فنجاهما الله تعالى من ذلك وقريش على رؤوسهم ، يقول أبو بكر : يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا ، فيقول له رسول الله : ” لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ” فنجى الله تعالى نبيه بمفازته من غير أن يمسه سوء . ألم تسمع ما وقع لنبي الله يونس صلى الله عليه وسلم حيث ذهب عن قومه مغاضبا لهم لما عصوه فركب البحر فثقلت بهم السفينة فاقترع أهلها أيهم يلقى في البحر لتخف السفينة وينجو بعض من فيها ولا يهلكوا كلهم ، فوقعت على قوم فيهم نبي الله يونس فألقوا في البحر فالتقم الحوت يونس” فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” فاستجاب له رب العالمين فأنجاه من الغم قال الله تعالى : “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ .لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ “.(الصافات  /143).

عباد الله المتقين :

ألم يأتكم نبأ الثلاثة من بني إسرائيل “باتوا في غار فانحدرت عليهم من الجبل صخرة سدت الغار فلا يستطيعون الخروج فقالوا : إنه لا ينجيكم منها إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران فنأى بي طلب الشجر فتأخرت حتى ناما ، فكرهت أن أوقظهما فانتظرت استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي حتى استيقظ أبواي فشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة قليلا . فقال الثاني : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها حبا شديدا فأردتها عن نفسها فامتنعت حتى ألجأتها الضرورة سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مئة وعشرين دينارا على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، فلما قعدت بين رجليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك لأجلك فأفرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة قليلا إلا أنهم لا يستطيعون الخروج . فقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم إلا واحدا ترك أجره وذهب ، فثمرت له أجره حتى نما وكثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله أعطني أجري ، فقلت : كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق فهو أجرك ، فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بي ، فقلت له : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله ولم يترك منه شيئا ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشو”(البخاري ومسلم).

وهكذا ينجي الله المتقين بمفازتهم في هذه الدنيا وينجيهم من مفاوز يوم القيامة وأهوالها ومن عذاب الجحيم وسمومها قال الله تعالى :”وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا”(مريم /71). ( بكى عبد الله بن رواحة – رضي الله عنه – وكان مريضا فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : ذكرت قول الله تعالى :” وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ” فلا أدري أنجو منها أم لا . وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه بكى ويقول : أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها ،.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وسلطانه ، ولا مثل له في أسمائه وصفاته ، وبره وإحسانه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المؤيد ببرهانه ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه .

أما بعد : فياأيها الناس اتقوا الله تعالى واسلكوا سبيل السلامة والنجاة واحذروا سبل العطب والأمور المهلكات ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : “ثلاث منجيات وثلاث مهلكات ، فأما المنجيات : فتقوى الله في السر والعلانية ، والقول بالحق في الرضا والسخط ، والقصد في الغنى والفقروأما المهلكات : فهوى متبع ، وشح مطاع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وهي أشدهن”(الطبراني في الكبير).

فياله من كلام جامع لمسالك الخيرات ، محذراً عن موانع الهلكات . أما تقوى الله في السر والعلانية ، فهي ملاك الأمور ، وبها حصول الخيرات واندفاع الشرور ، فهي مراقبة الله على الدوام ، والعلم بقرب الملك العلام ، فيستحي من ربه أن يراه حيث نهاه ، أو يفقده في كل ما يقرب إلى رضاه ، وأما قول الحق في الغضب والرضي فإن ذلك عنوان على الصدق والعدل والتوفيق ، وأكبر برهان على الإيمان وقهر العبد لغضبه وشهوته ، فإنه لا ينجو منها إلا كل صدّيق ، فلا يخرجه الغضب والشهوة عن الحق ، ولا يدخلانه في الباطل ، بل الصدق عام لأحواله كلها وشامل ، وأما القصد في الفقر والغنى فإن هذا علامة على قوة العقل وحسن التدبير ، وامتثال لإرشاد الرب القدير في قوله : ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا” فهذه الثلاث جمعت كل خير متعلق بحق الله ، وحق النفس ، وحقوق العباد ، وصاحبها قد فاز بالقدح المعلى والهدى والرشاد ، وأما الثلاث المهلكات فأولاهن هوى متبع ، ” وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ “.

فإن الهوى يهوي بصاحبه إلى أسفل الدركات ، وبالهوى تندفع النفوس إلى الشهوات الضارة المهلكات ، وأما الشح المطاع فقد أحضرت النفوس شحها”وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”ومن انقاد لشحه فأولئك هم الخاسرون ، فإن الشح يحمل على البخل ومنع الحقوق ، ويدعو إلى الضرر والقطيعة والعقوق ، أمر الشح أهله بالقطيعة فقطعوا ، ودعاهم إلى منع الحقوق الواجبة فامتثلوا ، وأغراهم بالمعاملات السيئة من البخس والغش والربا ففعلوا ، فهو يدعو إلى كل خلق رذيل ، وينهى عن كل خلق جميل ، وأما إعجاب المرء بنفسه فإنه من أعظم المهلكات وفظائع الأمور ، فإن العُجب باب إلى الكبر والزهو والغرور ، ووسيلة إلى الفخر والخيلاء واحتقار الخلق الذي هو من أعظم الشرور ، فهذه الثلاث : الهوى المتبع والشح المطاع والإعجاب بالنفس ، من جمعها فهو من الهالكين ، ومن اتصف بها فقد باء بغضب من الله واستحق العذاب المهين ، فطوبى لمن كان هواه تبعا لمراضي الله ، وطوبى لمن وقي شح نفسه فكان من المفلحين ، وعرف نفسه حقيقة فتواضع للحق وخفض جناحه للمؤمنين . من الله علي وعليكم بمكارم الأخلاق ومعاليها ، وحفظنا من مضارها ومساوئها ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .

أخوة الإيمان والإسلام :

والحج كما أنه منافع للناس كثيرة وفوائد عظيمة دنيوية وأخروية فهو مدرسة الأخلاق الفاضلة والسلوك القويم ..فينبغي  علي المسلم أن يأخذ من هذا الركن العظات والعبر والدروس العظيمة في تغيير حياته إلي الأفضل والأقوم فإذا فعل ذلك فقدربح الدنيا والأخرة .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

‫2 تعليقات

  1. خطبة الجمعةالمكتوبة التى صدرت مؤخرا عى موقع وزارة الاوقاف شديدة الاختصار

  2. طريقة كتابة الخطبة على موقع الاوقاف كانت افضل بكثير وكانت ملمة بايات من القران والاحاديث الشريفة اما الخطبة المكتبة شديدة الاختصار فى كل شىء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »